كيف يمشي الاعمى

عيسى بوتاني
باتت مواضيع كثيرة تدور حول مدى علاقة القضايا الثقافية بالمشروع القومي نقاط خلاف بين المثقفين و والكتاب المخضرمين و المبتدأين على شكل سواء، فهناك من يرى إننا خسراتنا للماضي كان ناتج من عدم فهمنا لحقائق المشروع الثقافي و لم نعطه الحق الكافي وقمنا بتوظيفها لأجل قضايا سياسية و جعلناها سلاح الى جانب سلاح البيشمركة... الموسيقي ألف مقطوعاته الموسيقية بحيث تعبر عن الثورة والشعراء حاولوا ان تكون كلماتهم مصدر تشجيع وحماس للمناضلين الكورد و الرسامون كانوا يحركون ريشة رسمهم ليأتوا بلوحة بحيث تكون معبرا لمآسي ومسراة شعبهم، و حتى هذه اللحظة اذا أنتج سينمائيوا الكورد فيلما عن فاجعة حلبجة على سبيل المثال تلك الكارثة التي هزت ضمير العالم... فلا بد أن يكون فيها مناظر الموت والدم و والصراخ و... الخ
مثقفونا خاطئون في فهم مصلطحات الثقافة، لم يفهموا يوما بأن الادب والفن بكل جوانبه يجب أن ترتكز على قوانين و نظم علمية دقيقة وإلا خسرت مفهومها ولم تعد الشعر شعرا و المسرح والفيلم مسرحا و فيلما.
كل هذه المقدمة كان رأي مجموعة من الناس يسمون أنفسهم مثقفون من الدرجة الاولى و لكني لا أتفق مع هولاء وأبارك جهود ونضال و مجازفات الذين شاركوا في قضية شعبهم سواء كانوا بيشمركة أو أدباء وصحفيون و رسامون و شعراء و..... الخ. فهم أدوا دورهم الوطني المشرف، كيف للشاعر أن لايكتب ويألف قصائد عن معانات شعبه الذي يقتل و يزج في السجون و يعذب و يدفن حيا في مقابر جماعية و يحصد أرواح اللاف بالسلاح الكيمياوي. فأذا لمرأة عجوزة أهلكتها الشيب تلك الشعور القومي وتكون على إستعداد لتحارب و تشارك أبنائه في مواجهة الاعداء ليس فقط أن تخبز و تبعث لهم الطعام الى خنادق النضال... فكيف لهم أن يقفوا بعيدين عن آلام شعبهم. أتذكر حديث تلك المرأة البارزانية التي أنفل البعث الفاشي زوجها و أبنائها و أقاربها وأصبحت تعمل وتبحث جاهدة لتجد كسرة خبز تطعم بها أولادها الباقين، في تلك الوقت التي كانت حتى للجدران أذان كانت البارزانية الشجاعة والقوية تصرخ ولا تبالي لمن يسمعها ((والله سأضل أنسج للبيشمركة جوارب و سأبعث لهم المأكل و الملبس و لا أخاف البعثيين... فما عاد لي شيء أخاف عليها فليفعلوا ما يفعلوا)).
هذه نموذج من نساء الكورد وأني لأتعجب ممن يسموا أنفسهم شعراء و مثقفون أن يقولوا مثل هذه التفاهات... الشعر للشعر ... و الفن للفن، فأذا ما ضحى الانسان بروحه من أجل وطنه فكيف يبخل بمجوعة من الكلمات و بقع من الالوان. أني أرى بأن أي مشروع ثقافي لن يترسخ أركانه إن لم يرى نفسه جزءا من نضال شعبه و جزءا من أمنه القومي، كانت الحركة التحررية الكوردية قبل إنتفاضة آذار المباركة يضرب بسوطه العفاريت فيفرون رعبا ومن ثم يأتوا مرة أخرى كالوحش الضال ليتربعوا على أرجاء وطننا حتى باتت تطلق على كل قمة و شجرة و يتبوع إسم شهيد. أليوم وبعد كل تلك الجرائم التي ارتكبت في حق شعبنا في الجزء الجنوبي من كوردستان و التي ترتكب لحد اللان في الاجزاء الاخرى من وطننا لابد أن نتعامل بعقلانية لتجسيد ركائز حكومة الاقليم ليكون سندا واللبنة الاولى لبناء دولة كوردستان و التوجه بالبشرى نحو الاجزاء الاخرى. ولكن من المؤسف أن تقارن وطن محتل لم يرى بصيص الحرية إلا و أطفأ في وجهها وأن يطلب من أدبائها و شعرائها أن يكتبوا الشعر للشعر؟؟!!! ... مشاهدة المزيد
أتذكر مثل للكورد وآمل ان نكون كذا ((سيء الحظ هو من يأتيه المال و يذهب عنه الجاه، و عندما يأتيه الجاه يذهب عنه المال، ولما يأتي الاثنان ألى طريقه يغمض عينيه و يقول يا ترى كيف يمشي الأعمى!!!)).
أود أن أذكر هؤلاء بأن أمهاتنا حينما يولدون بناتا أو ولدان يفرحون ملء القلب لأنهم سيهدونهم الى الوطن ليعملوا ويناضلوا مع المخلصين من أبناء الوطن جنا مع جنب و يأتوا بالحرية و يردعوا الظلم عن شعبهم، فكيف لنا أن نخيب ظنهم فينا حتى ولو بتفكير خاطيء. أتذكر حديثا لأستاذي القدير (أحمد قرني) الذي كان ولا يزال يعمل رئيسا لتحرير مجلة و كنت أعمل في المجلة كعضو في هيئة تحرير كتابها. حديثه الذي كتبه في إحدى فصول كتابه (على أمواج الصراحة) حيث تطرق إلى أن في جزء هادىء من مدينته الجميلة أوقفه أحد التلاميذ العائدين من المدرسة والذي يعرفه عن قرب، لا لكونه النسمة التي تعبق في لطافة تلك الجو الربيعي... بل لأنه كان إبن صديق يعتز به. بعد التحية سأله أستاذ أحمد عن مستواه الدراسي فأجابه وكأنه يطير من فرحا:
ـــ اليوم بالذات توصلت الى نتيجة طالما كنت أنتظره، نعم اليوم تحققت المعجزة وعرفت لماذا تعيش السمكة في الماء و الانسان في البر.
حينذاك كان سأل التلميذ الأستاذ أحمد بأنة ألم يكن أيضا يبحث عن النتيجة نفسها؟!!!
علينا أن نبحث نحن أيضا عن إجابة تلك السؤال الذي أنتظره التلميذ و بحث عنه طويلا ولكن بشكل آخر ونجد جوابها ((لماذا يكتب شعراء وكتاب العرب عن العروبة و الانتماء للوطن العربي من المحيط الى الخليج ولايجوز للكوردي عن يعبر في أشعاره عن وطنه المحتل وشعبه المظطهد الذي لم يرى لحظة فرح)).
أرجو أن يصلوا إلى النتيجة كما التلميذ وحينها لا أعرف هل سيطيرون فرحا؟